مقاومة مشروع المنطقة الامنة الامريكي ..لماذا؟
 
 
يمثل مشروع المنطقة الامنة الامريكية في جنوب العراق المؤامرة الاكثر خطورة على العراق بعد حرب عاصفة الصحراء التي استغلت فيها الولايات المتحدة احتلال  الحكومة العراقية الطائش للكويت من اجل تحطيم البنية التحتية العراقية وفرض حصار ظالم هو بمثابة حرب ابادة لشعب العراق مكبلة الدولة العراقية بجملة من القيود السياسية والاقتصادية والمالية لن يستطيع الخلاص من اثارها الا بعد مرور عشرات السنين
وكما هو واضح لشعب العراق فان هدف المنطقة الامنة التي تطبل لها بعض الاطراف العراقية، كمثيلتها في الشمال، هو ليس توفير الامن والعدل والرفاه  لسكان الجنوب وانما الاجهازعلى ما تبقى من دولة وعلاقات اجتماعية وتماسك في المجتمع العراقي تهيئة لتوفير شروط السيطرة الامريكية المباشرة او غير المباشرة على منابع النفط العراقية ،هذا النفط الذي تعتبره الولايات المتحدة مصلجة حيوية لها لا ينازعها فيه منازع حتى ولا شعب العراق صاحب الارض وما في باطنها
ولا تنبع خطورة المشروع من القدرة على انشاء كيان طائفي في جنوب العراق يؤدي الى تمزيق وحدة التراب العراقي فشروط قيام وديمومة مثل هذا الكيان لا وجود لها لا في العراق ولا في الدول المجاورة .فان كافة الدول المجاورة تعي ان مثل هذا المشروع اذا ما تحقق على ارض العراق سوف لن يكون خطره مقتصرا على امن ووحدة العراق وانما على امنها ووحدتها ايضا .اما في العراق فليس هناك اية قوة جماهيرية عربية يمكن ان تؤيد مشاريع تقسيم العراق.ولكن خطورة هذا المشروع تنبع من انه يدغدغ العصبيات الطائفية لبعض الجهلة ويروي احلام بعض الباحثين بالوصول الى التسلط على شعب العراق بواسطة القوات العسكرية الاجنبية ،الامر الذي يتيح للولايات المتحدة استخدام هذه العصبيات والاحلام لخلق مناخ الحروب الاهلية والصراعات الدموية كطريق لانهاك المجتمع العراقي وتمزيق اوصاله كي يبدو دور الولايات المتحدة فيما بعد وكأنها المنقذ للعراق من الطائفية وهو الامر الذي يسهل سيطرتها على النفط بالقوة العسكرية او بمجئ حكومة عميلة لشركاتها النفطية
ومن الملفت للانتباه ان التطبيل الذل يمارسه الموالون للسياسة الامريكية حول هذا الموضوع يحدث حتى قبل اعلان الولايات المتحدة رسميا تأييدها اقامةالمنطقة الامنة في الجنوب يهدف ليس التهيئة للعقوبات الذكية فقط وانما كذلك الى تمزيق الصعود الشعبي العربي والاسلامي الموحد ،هذا الصعود المتنامي منذ انتفاضة الاقصى المباركة والهبة العربية والاسلامية لدعم هذه الانتفاضة وذلك لاعادة  الحركة السياسية العربية الى اجواء الحرب العراقية الايرانية واجواء حرب الخليج الثانية.
ان الغزل الذي يجري  بين الولايات المتحدة وبين بعض الاطراف العراقية حول العقوبات الذكية وحول تفعيل القرار 688 والذي تناقلته الصحف علنا هو الحلقة الاولى في هذه التطورات.فبعد تصريحات قادة بعض التنظيمات التي كان البعض يعتقد انها تنظيمات لا تسير في مخططات الولايات المتحدة رغم استمرار انضوائها تحت راية المشروع الامريكي ،المؤتمر الوطني العراقي ،تراكضت نفس الشخصيات والقوى التي التفت حول المؤتمرالوطني في الماضي والتي تظاهرت بالاختلاف معه فيما بعد- ليس حول سياسة الحصار الامريكي على شعبنا العراقي وانما حول توزيع الادوار والمناف-،تراكضت لتلتقي معا لا للمطالبة برفع الحصار والغاء التعويضات وايقاف العدوان الامريكي اليومي على العراق وانما لتلتقي حول مناطق الحضر الجوي التي تريدها مناطق امنة لتعاونها مع الولايات المتحدة.
ان كل هذه القوى تعرف جيدا، ولبعضها خبرة طويلة في التعاون مع امريكا والموالين لها ،ان الولايات المتحدة لن تدفع بجندي واحد الى ارض العراق لحماية الشيعة او اية فئة عراقية اخرى وكل هذه القوى تعرف جيدا انها لن تستطيع جميعا تعبئة فصيل واحد للقتال باسم الموالاة للولايات المتحدة فشعب العراق يعرف ما فعلته الولايات المتحدة بشعبنا وبلدنا خلال السنوات العشر الماضية ولن ينخرط في هذه المشاريع المشبوهة.امام هذه الحقيقة التي يعرفها الجميع فان ادعائها العمل على اسقاط النظام بالتعاون مع الولايات المتحدة ليس الا مجرد اكذوبة لا يتجاوزصداها  نطاق اجتماعاتها معا فهي جميعا لا تتراكض للانخراط في خدمة السياسة الامريكية الا مقابل الاستفادة من جزء من ال 97 مليون دولار
وسواء أكان هدف هذه المجاميع اثارة الصراعات الطائفية ارضاء للولايات المتحدة او كان هدفها الحصول على الدعم المالي الامريكي فان ذلك كله يصب في نهاية الامر في خدمة سياسة الحكومة العراقية الحالية التي ترفض اطلاق الحريات الديموقراطية للشعب والمواطنين بحجة عمالة قادة المعارضة لاجهزة دول اجنبية رغم علمها ان اطلاق الحريات هو مطلب شعبي لا علاقة له بالجهات الموالية للاجنبي
من البديهي ان عالم اليوم هو عالم العلاقات الدولية الذي اصبح للولايات المتحدة مكانة خاصة فيه ،ومن هنا فلا يمكن لاية حكومة او دولة في عالم اليوم ان تتجاهل اهمية وضرورة اقامة علاقات مع الولايات المتحدة ،بل وان تأخذ سياسة الولايات المتحدة في حساباتها عند  وضع سياساتها فالولايات المتحدة هي الدولة الاقوى عسكريا واقتصاديا وسياسيا في العالم وسياساتها في المنظمات الدولية وخارجها تؤثر على كل حكومات العالم سلبا او ايجابا. واذا كان من حق كل القوى السياسية ان تعلن موقفها ازاء سياسة الولايات المتحدة ازاء بلدهاوان تعلن برامجها سلبا او ايجابا في هذا الخصوص علنا فليس من حقها ان تعمل باي شكل كان مع اجهزة الولايات المتحدة ضد حكومة بلدها او ضد قوى سياسية في بلدها مهما كان حجم الاختلاف معهما فليس من حق حكومة الولايات المتحدة التدخل في الشؤون الداخلية لبقية البلدان وارتباط قوى سياسية محلية باجهزة قوى كبرى لن يخرج عن نطاق العمالة خصوصا وان لهذه القوى الكبرى مصالح وسياسات واطماع تتناقض ومصالح وقضايا شعبنا وامتنا العربية والاسلامية
اما القول بان القضية العراقية قد اصبحت قضية دولية فهو كلمة حق اريد بها باطل.فمنذ احتلال الكويت هناك صراع بين مجلس الامن وبين الحكومة التي تمثل دولة العراق من وجهة القانون الدولي. وفي مجلس الامن وفي الجمعية العامة ليس هناك الا ممثلو دول ولذلك فان قرارات مجلس الامن تستهدف العراق كدولة وقرارات الحكومة العراقية ملزمة للعراق كدولة وليس امام القوى السياسية العراقية الوطنية العمل في الساحة الوطنية وضمن نطاق الدولة العراقية بالنضال مع شعبها ،مع او ضد حكومة العراق، وما عدا ذلك ليس الا  انحيازا الى ضد دولة العراق وبالتالي شعبها لصالح قوة اجنبية
والقول بان العقوبات والقرارات التي اتخذها مجلس الامن ازاء العراق هي عقوبات وقرارات تستهدف حكومة العراق وليس دولة او شعب العراق فانه ليس الا دعاية اعلامية هدفها تبرير العقوبات وتبرئة الذمة من الجرائم التي ارتكبت بحق شعب العراق ولا علاقة لها بواقع العقوبات والقرارات. ومن يصدق هذه الدعاية ويرددها من السياسيين العراقيين يعبر اما عن جهل مطبق او مشاركة فعالة في الاعلام الامريكي الغربي
اننا نعرف ان في كل دول العالم بل وفي هيئة الامم المتحدة منظمات ونشاطات غير حكومية تعمل من اجل الصداقة والتعاون بين الشعوب والمشاركة في هذه النشاطات والتعاون مع هذه المنظمات الغيرحكومية هي امرلا يمكن الاعتراض عليه خصوصا وان بعضها يتخذ مواقف نبيلة ازاء قضايا شعبنا وامتنا ولكن المشاركة في النشاطات الغيرحكومية يختلف كليا عن تعاون بعض القوى المحلية مع اجهزة الحكومة الامريكية او البريطانية او الفرنسية ناهيك عن ان هدف التعاون هومحاصرة البلد وتوجيه الضربات العسكرية اليه وتقسيمه.وليس عجيبا لذلك ان امثال هذا الارتباط بين اطراف محلية ودول اجنبية هو امر تدينه وترفضه قوانين كل دول العالم على اختلاف انظمتها السياسية وفي مقدمتها القوانين الامريكية والبريطانية والفرنسية   
ولكننا نعرف كذلك ان بعض القوى قد حولت ولائها من بعض اطراف ما تسميه النظام القديم الى النظام العالمي الجديد بقيادة الدول الغربية وكما اخطأت في الماضي باسم ولائها العقائدي فخرجت عن اجماع الامة وقضاياها المصيرية فانها تخطئ من جديد وتخرج عن اجماع الامة ان اعتبرت ان ولائها الاممي الجديد يقودها الى تأييد الدول الغربية سواء كانت  امريكا او فرنسا او مجلس الامن في  قضايا الحصار الجائرعلى العراق اوقضايا تقسيم العراق الى دويلات ومحميات باسم المناطق الامنة او حقوق الانسان او تحت اي مسمى اخر
اننا في التيار القومي العربي الذين نعتبر انفسنا ورثة التيار الوطني الاستقلالي العربي الاسلامي، ورثة الصدر والخالصي وعبدالمجيد كنة وابو التمن ،وورثة العقداء الشهداء ومحمد مهدي كبة والجادرجي ،وورثة ضباط ثورة تموز الاحرار وحكومتها الاولى،وورثة فؤاد الركابي والشهيد باسل الكبيسي وفيصل حبيب الخيزران ،نرفض تدخل الدول الكبرى في شؤون العراق الداخلية ولن نسكت على الاضرارالتي تسببها سياسات هذه الدول لمصالحنا الوطنية والقومية،ونسعىلان تكون علاقات العراق مع الدول الكبرى ومن بينها الولايات المتحدة علاقات قائمة على الاحترام المتبادل وعلى تطوير السلام والتعاون الدولي وعلى تبادل المنافع وخصوصا في قضايا الصناعة النفطية مع التمسك بمصالحنا وحقوقنا الوطنية وبقدرما نرفض سياسة الحكم الحالي التي حملت للعراق الحروب والماسي والمحن فاننا نرفض سياسات الولايات المتحدة والموالين لها التي لم ولن تجلب للعراق غير الخراب والحصار والحظر الجوي والتقسيم ونهب ماتبقى من ثروات  واعاقة الاعمار وادامة الجوع والتخلف 
ان مطالب التي عبر عنها الشهيد محمد باقر الصدر وياتي في مقدمتها "اعطاء الشعب الحق في اختيار ممثلين عن طريق انتخابات حرة للتعبيرعن رأيه " كانت ولا تزال مطلب كل الشعب العراقي،ولا تقتصر على فئة دون اخرى، ولا علاقة لذلك بالعصبيات والكيانات الطائفية التي يطبل لها البعض اليوم فمن حق شيعة العراق وهم شريحة هامة من المجتمع العراقي النضال ضد اي اضطهاد او تمييز يتعرضون له ونضالهم هذا يتمتع بتأييد كل الوطنيين والديموقراطيين العراقيين طالما انخرط في تيار نضال شعب العراق من اجل تجسيد حقوق الانسان وحقوق المواطن وضد الديكتاتورية والتسلط والظلم ومن اجل الديموقراطية والعدل والامن بل وان تعاطف شيعة العراق مع اخوتهم في المذهب في البلدان الاخرى وعملهم لان يكونوا رسل سلام وتضامن بين العرب وايران هو خدمة كبيرة لنضال العرب والمسلمين من اجل قضاياهم العادلة فالتعاضد العربي الايراني التركي هو احد اسس قدرة شعوب المنطقة الاسلامية في تحقيق الاستقرار والاعمار والتقدم والديموقراطية وخدمة قضية العرب والمسلمين الاولى في فلسطين 
وكل نضال العراقيين ومكالباتهم باطلاق الحريات والحقوق المدنية والسياسية وتجسيد حقوق الانسان والمواطن وتحقيق المساواة في الدولة والمجتمع والتخلص من حكم اجهزة المخابرات والامن ومن القسوة والتعسف والتسلط والظلم والجوع هي نضالات ومطالب شعب العراق  ولكن المشاريع التي تؤدي الى خلق اجواء الحرب الاهلية وتذكي الصراعات العنصرية والطائفية سواء صدرت من السلطة او اطراف المعارضة هي مشاريع تضربمصالح شعب العراق ونضاله من اجل الديموقراطية والامن والرفاه لانها تعمق الشروخ القائمة في المجتمع العراقي التي ساهم الحكم الحالي والتيارات العنصرية والطائفية المعاكسة له في خلقها
وعلى امتداد النصف الثاني من القرن العشرين رفضنا الانحرافات العنصرية والطائفية والديكتاتورية وقاومنا كافة الاتجاهات المشبوهة لدى اولئك الذين حكموا باسم التيار القومي العربي،واليوم نحذربعض رفاقنا القدامى من مغبة السير في المخططات الامريكية المعادية
للعراق والحركة القومية العربية فان السير في هذه المخططات يلغي انتمائهم لهذا التيار ويحولهم الى ادوات ضد العروبة والعرب
 
عبدالاله البياتي
17 /5/2001